-A +A
فتحي عطوه (القاهرة)
في الحلقة السابقة تحدثنا عن سنوات التحول الاولى في حياة الزعيم الكوبي ولقائه مع الرئيس الامريكي بيل كلينتون الذي تسبب في ازمة وتعرفنا على موقفه من غزو العراق للكويت. كما تعرفنا خلال الحلقة السابقة على اجتماعه مع الرئيس ميخائيل جورباتشوف. وفي هذه الحلقة نتعرف على خطط ومحاولات الاستخبارات الامريكية لاغتياله والتي بلغت 637 محاولة والدعوى الكوبية المقامة امام احدى المحاكم الامريكية وتطالب فيها هافانا بتعويضات تصل قيمتها الى نحو 113 مليار دولار عن الاضرار المادية والمعنوية التي سببتها الولايات المتحدة للشعب الكوبي طوال الاربعين عاما. احتل كاسترو المرتبة الثالثة في العالم من حيث المدة التي قضاها في الحكم، بعد الملكة “إليزابيث الثانية” ملكة بريطانيا، والملك “بوميبون إدولياديج” ملك تايلاند. وقد ولد 70% ممن بقي حتى الآن على قيد الحياة في كوبا، بعد ثورة “كاسترو”، ولا يعرفون أي نظام آخر غير دولة الحزب الشيوعي الواحد؛ التي أقامها على أعتاب الولايات المتحدة.وقد نجح الرئيس الكوبي في الإمساك بمقاليد السلطة بقبضة من حديد معاصرًا خلال فترة حكمه 9 رؤساء أميركيين.

يقول “جورج ويجيل” في الـ”واشنطن بوست”: إن كاسترو تعود طيلة سنواته الطويلة؛ التي قضاها على رأس السلطة في كوبا أن يكون مركز الانتباه، وأنه أفقد الكوبيين ثقافتهم الروحية الغنية التي ورثوها منذ ولادتهم، وغرس في أذهان أبناء شعبه أنهم ضحية الاعتداء الأميركي، ووصلت كوبا في عهده إلى حالة متدهورة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومع ذلك أحب الناس كاسترو الرجل الذي تحدى أميركا.

استورد كاسترو الشيوعية إلى عتبة الولايات المتحدة، وعندما زالت الشيوعية من الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية، بقيت في كوبا، وكأن المحاولات التي تعرضت لها من جارتها الكبرى اللدودة منحتها نوعا من المناعة، تماما كما يفعل تلقيح الجسم بجرثومة المرض.

وثمة دعوى قائمة الآن أمام إحدى المحاكم الأميركية، تطلب فيها كوبا من الولايات المتحدة تعويضات تبلغ 113 مليارا من الدولارات تعويضا عن الأضرار المادية والجسدية التي سببتها الولايات المتحدة للشعب الكوبي خلال الأربعين عاما الماضية.

وقال الكولونيل بيريز فرنانديز، الموظف في وزارة الداخلية الكوبية، لدى ادلائه بشهادته أمام تلك المحكمة: إن اغتيال الزعيم الكوبي كان القضية الرئيسية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في سائر العهود، حيث قامت كل هذه الحكومات بتخطيط وتمويل 637 خطة اغتيال وخلال عقدي الستينات والسبعينات حاولت وكالة الاستخبارات المركزية اغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو بعدة وسائل.

فقد أعدت خطة في عام ثلاثة وستين لقتل كاسترو بوضع شحنة متفجرة داخل سيجار ودُسّت إليه. كما فكر عملاء السي أي إي في وضع قنبلة داخل صدفة بحرية في المكان الذي اعتاد فيه كاسترو على مزاولة رياضة الغطس. وكان هناك مخطط لإهدائه ملابس غطس ملوثة بسم يقتل من يرتديها. وجندوا زوجة له لقتله ولكن المحاولة باءت بالفشل على النحو الذي تم سرده بالتفصيل.

ولما يئست الولايات المتحدة من قتله عاشت على أمنية موته وناصبته العداء ولازالت الحرب الإعلامية سارية.

فللمرة الرابعة عشرة منذ 1992 ادانت الجمعية العامة للامم المتحدة في 8 نوفمبر 2005 بغالبية 182 صوتا مقابل 4 الحصار الأميركي على كوبا والذي يدفع بالنظام إلى التشدد إزاء معارضيه. ولا تكتفي واشنطن بالسعي الى خنق الجزيرة اقتصاديا بل تنتهك أيضا القانون الدولي من خلال تشجيعها الاعتداءات الدامية هناك. والحكومة الأميركية تقف وراء محاكمة ظالمة لخمسة كوبيين، بدأت في فلوريدا.

وتتهم كوبا الولايات المتحدة بمحاولة إجهاض المحاكمة القضائية بحق “الإرهابيين “ لويس بوسادا كارّيليس وغاسبار خيمينيز إيسكوبيدو وغيجيرمو نوفو سامبول وبيدرو ريمون رودريغيز، المسؤولين عن التخطيط لمحاولة اغتيال كاسترو خلال القمة الأيبيرية الأمريكية العاشرة، التي انعقدت في نهايات العام 2000 في بنما.

وكما تذكر وزارة العلاقات الخارجية الكوبية، فإن تلك المخططات الإرهابية كانت تنطوي على وضع مواد متفجرة بلاستيكية ذات قدرة عالية على الانفجار في مسرح جامعة بنما، حيث كان سيتكلم «الرفيق» فيدل، الأمر الذي كان بوسعه أن يتسبب بمقتل مئات الطلبة والأساتذة من الجامعة المذكورة، وغيرهم من المشاركين في الاحتفال.

وقد طلبت كوبا تسليم الإرهابيين الأربعة في الوقت الملائم وبما يتفق مع النظم المعمول بها في مثل هذه الحالات، في القانون البنمي لكن بنما رفضت تسليمهم.

وحسب كلام وزارة العلاقات الخارجية الكوبية فإنه منذ اعتقالهم يقوم عدد من العناصر المناوئة لكوبا في ميامي وفي بنما بحملة لمحاولة إفقاد الأعمال المرتكبة على يد الإرهابيين الأربعة قوتها، وشملت هذه الحملة مقالات في الصحف والإذاعة وتوظيف موارد مالية كبيرة، بل ومقابلات مع شخصيات من الحكومة البنمية من أجل محاولة التأثير في المحاكمة القضائية الجارية للأربعة في بنما.

كما أنه – والكلام لازال لوزارة العلاقات الخارجية لكوبا - استؤنف التحضير لفرار محتمل لبوسادا كارّيليس والمتواطئين معه باتجاه بلد من أمريكا الوسطى، على غرار ما حدث مع بوسادا كارّيليس نفسه، الذي تم تخليصه من سجن فنزويلي ذي إجراءات أمنية مشددة بعدما اعتقل بسبب تفجير طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الكوبية “كوبانا دي أفياسيون” مقابل سواحل باربادوس عام 1976، ونقله إلى السلفادور لكي يزود العصابات النيكاراغوية المعادية للثورة بالأسلحة. وبسبب عملية الفرار هذه طلبت السلطات الفنزويلية مؤخراً تسليمه لها. وعلى ذات النحو، كان غاسبار خيمينيز إيسكوبيدو، وهو واحد آخر من الإرهابيين الأربعة المعتقلين في بنما، قد فر من سجن مكسيكي على أثر اغتياله للفني الكوبي في صيد الأسماك أرتانيان دياز دياز.

المعتقلون الكوبيون الخمسة

وبعد اتهامهم بارتكاب 26 خرقاً للقوانين الفيديرالية الاميركية، تمّ اعتقال خمسة كوبيين هم : جيراردو هرنانديز، انطونيو جيريرو، انطون لابانينيو، فرنانندو جونزاليس ورينه غونزاليس في ميامي (فلوريدا) يوم 12 سبتمبر 1998. و”الخمسة” كما باتوا يُسمَّون، كانوا وصلوا الى الولايات المتحدة قادمين من هافانا، بغرض الانخراط في المنظمات المسلحة المنبثقة من الكوبيين المنفيين والتي كانت الحكومات الاميركية المتعاقبة تغضّ الطرف عنها لا بل تؤمّن لها الحماية في فلوريدا. وكان المطلوب من الخمسة اكتشاف النشاطات الإرهابية التي تنوي هذه المنظمات القيام بها ضدّ كوبا.

وفي اوائل شهر ابريل العام 2003، صدرت في الولايات المتحدة أحكام قاسية في حق خمسة كوبيين اتهموا بـ”التآمر”. أحدهم هو الرسام الصحافي جيراردو هرنانديز، الذي صدر في حقه حكمان بالسجن المؤبد زائد حكم بالسجن لمدة 15 سنة... وبعد انتظار الأحكام مدة ثلاثة وثلاثين شهراً منها سبعة عشر شهراً في السجن الانفرادي التام وشهر واحد في سجن “الهويكو” تمكن الكوبيون الخمسة من الانتقال الى حبس عادي بفضل حملة قادها بعض الليبيراليين الأميركيين وعدد من النواب البريطانيين من حزب العمل، إضافة الى آخرين من بينهم نادين غورديمر الحائزة جائزة نوبل للآداب.

والـ”هويكو” زنزانة مربعة بضلع طوله متران، ذات جدران لا نوافذ فيها أبداً، حيث يبقى السجين دون حذاء وبالثياب الداخلية فقط، يسلط عليه ضوء باهر على مدى أربع وعشرين ساعة، ويحظر عليه أي اتصال بالعالم الخارجي حتى مع السجانين. وفي هذا الجحر عليه أن يتحمل الصراخ المستمر من سائر السجناء الذين أصيبوا بالجنون نتيجة هذه العزلة.

فما هي الجريمة التي ارتكبها إذن السيد جيراردو هرنانديز ورفاقه كي يستحقوا هذه العقوبة الوحشية؟ إنهم خلال محاكمتهم في ميامي في أواخر العام 2001 رفضوا بكل بساطة “التعاون” مع المحكمة. لقد أقروا جميعاً عشية الدعوى، بأنهم عملاء للمخابرات الكوبية أقاموا منذ سنوات في فلوريدا لاكتشاف منفذي مئات الأعمال الارهابية ضد بلدهم. لكن الأف.بي.آي. أرادت اجبارهم على الادلاء بتصريحات ضد كوبا، فطلب اليهم التأكيد أن بلادهم تمثل “خطراً على الولايات المتحدة” وأنهم تسللوا بغية “الحصول على معلومات تتعلق بالأمن القومي الأميركي”.

فقد تمكن جيرادو هرنانديز وانطونيو غيريرو ورينه غــــونـــــزالـــيـــس وفـــرنـــــادنــــدو غونزاليس ويواكين ميانديز في تسعينات القرن الماضي من التسلل الى بعض المنظمات شبه العسكرية المعادية لنظام كاسترو في ميامي.

وأحد المحكومين الكوبيين الخمسة رينه غونزاليس يحمل جواز سفر أميركياً. وهو ابن أحد عمال المعادن من الذين هاجروا الى شيكاغو من ام كوبية كانت عائلتها تعيش في فرجينيا الشمالية، وهو من مواليد الولايات المتحدة. وبعد عودته مع اهله الى كوبا في العام 1961 أصبح رينه طياراً بينما أنهى أخوه روبرتو دراسته في الحقوق. وفي أحد الأيام، وإزاء ذهول الجميع، ترك رينه زوجته وابنته وخطف طائرة ثم فرّ بها الى الولايات المتحدة حيث استقبل كبطل.

وكما الكوبيين الأربعة الآخرين الذين وصلوا الى فلوريدا من طرق مختلفة، بدأ في ميامي حياة جديدة. فتسلل الى المنظمات المناهضة لكاسترو، وخصوصاً منظمة “هرمانوس آل ريسكاتي” (اخوة الانقاذ)، وهي منظمة ملتزمة رسمياً إنقاذ كوبا. وزعيم هذه المنظمة، جوزي باسورتو، يتباهى علناً أنه يقوم بعمليات استفزازية كأن يخرق بانتظام المجال الجوي الكوبي بطائرات سياحية صغيرة يرمي منها على ارتفاع منخفض مناشير تدعو الى الانشقاق. وعندما أبلغ غونزاليس ومجموعته السلطات الكوبية بهذه المعلومات أرسلت ثلاثاً وعشرين مذكرة ديبلوماسية الى حكومة الولايات المتحدة مشددة على الطابع الخطير لهذه الرحلات الجوية الاستفزازية. لكن واشنطن لم تتحرك الى أن أسقط سلاح الجو الكوبي في 24فبراير عام 1996 طائرتين تابعتين للـ”هرمانوس آل ريسكاتي”.

فرح في واشنطن

أدى خضوع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو لعملية جراحية في الأمعاء نهاية يوليو 2006، واضطراره إلى التخلي مؤقتا وللمرة الأولى عن منصبه الذي يتولاه منذ 48 عاما، وقيامه بتسليم مهامه وصلاحياته الرئيسية إلى شقيقه الأصغر راؤول كاسترو (75 عاما) وخليفته المحتمل بموجب الدستور، أدى إلى التساؤلات، والشائعات العديدة في واشنطن بل والتصعيد الأمريكي المتزايد سياسياً وإعلامياً ضد النظام الكوبي منذ الإعلان عن العملية الجراحية التي خضع لها كاسترو.

ومن الأهمية بمكان في هذا السياق الإشارة إلى طبيعة الحالة الصحية للرئيس فيدل كاسترو، إذ أثيرت منذ سنوات العديد من الشائعات حول الوضع الصحي لـه، خصوصا بعدما أصبح التلعثم والخروج عن سياق النص السمة المميزة لكل خطاب يلقيه في السنوات الأخيرة، وأصبحت حالته الصحية موضع اهتمام منذ أن فقد الوعي أثناء إلقائه خطابا العام 2001، مما أثار آنذاك حالة من الغموض بشان مستقبل الدولة الشيوعية الوحيدة في النصف الغربي من العالم.كماأصبح كاسترو يمشي بسرعة أبطأ من سرعته المعتادة بشكل ملحوظ منذ تعثره عقب كلمة ألقاها في أكتوبر 2004، مما أدى إلى كسر في ركبته وذراعه. وقد أثرت حالته الصحية على رحلاته الخارجية، ففي خلال عامين تقريبا لم يقم سوى برحلتين فقط إلى الخارج، الأولى إلى جامايكا والثانية إلى فنزويلا.

تباينت ردود الفعل الدولية إزاء أنباء مرض كاسترو، ففي الوقت الذي انتابت فيه حالة من القلق حلفاءه خصوصا في أمريكا اللاتينية، أعرب أبرزهم الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز عن ‘’همه’’ إزاء الخبر الصاعق، ورأى الرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا ‘’أن الكوبيين وحدهم هم الذين يجب أن يقرروا الخليفة المحتمل للرئاسة’’، ونفت حكومة بلاده تقريراً صحفياً ذكر أن السلطات الكوبية أبلغتها بأن كاسترو مصاب بورم خبيث في المعدة.

ومن جهة أخرى، شكلت أنباء مرض كاسترو فرصة ذهبية لواشنطن، التي تكن العداء الشديد لكوبا لتحقيق أحلامها بإسقاط النظام المعادي لها في هافانا، ولاستغلال تلك الفرصة السانحة ركزت واشنطن تحركاتها على المستويين السياسي والإعلامي. سياسياً، أطلقت سيلا من التصريحات على لسان الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس صبت في مجملها في اتجاه دعوة الكوبيين إلى استغلال الفرصة السانحة أمامهم للانتقال إلى الديمقراطية، كما قامت بإعداد خطط لمساعدة المنشقين المناوئين لنظام الرئيس كاسترو للسيطرة على البلاد في حالة وفاته، علاوة على قيام لجنة أمريكية رئاسية بطلب تخصيص 80 مليون دولار لتنفيذ برنامج يستهدف الإسراع بالتحول من الشيوعية إلى الديمقراطية في كوبا عقب نهاية حكم كاسترو.

على الصعيد الإعلامي، انتقلت الحرب الإعلامية بين واشنطن وهافانا إلى مرحلة جديدة بقيام طائرات أمريكية بالتحليق ليلاً قرب كوبا لبث برامج تليفزيونية وتفادي محاولات التشويش ضد قناة ‘’مارتي’’ المعارضة الموجهة من واشنطن. وهو الأمر الذي قوبل بالانتقاد من جانب الرئيس المؤقت راؤول كاسترو، الذي انتقد الحملة الإعلامية التي تشنها واشنطن ضد نظام شقيقه فيدل، والتي لم تقتصر على تكثيف البرامج الدعائية المعادية لكوبا في الإذاعة والتليفزيون الأمريكيين فحسب، بل شملت أيضا نشر تقارير شبه يومية عن صحة كاسترو، تقارير حول الجالية الكوبية المهاجرة إلى الولايات المتحدة، قصص منوعة عن مختلف جوانب حياة هؤلاء اللاجئين ومعاناتهم السابقة مع النظام الشيوعي، قصص عن مدينة ميامي الأمريكية، وكيف تحول جنوب ولاية فلوريدا إلى ‘’معقل’’ للمهاجرين الكوبيين، حيث يقيم هناك 800 ألف منهم، وصور لعدد من هؤلاء يحتفلون بأنباء مرض كاسترو، إضافة إلى ‘’قصص نجاح’’ عن مهاجرين كوبيين جاءوا إلى الولايات المتحدة.ومن المفارقات الجديرة بالذكر أن عشرة رؤساء أمريكيين و13 إدارة أمريكية فشلوا في إزاحة كاسترو عن الحكم في كوبا رغم انه لا يبعد عن السواحل الأمريكية سوى 140 كلم، ورغم تعدد محاولات الاغتيال التي تعرض لها بدعم من واشنطن.